top of page

حرب الخليج والدّجل الديني

  • areej62
  • 24 سبتمبر 2021
  • 4 دقيقة قراءة

الثلاثاء 05.03.1991


بقلم: توفيق زيّاد


  1. من كليبر إلى بوش مروراً بهتلر وآخرين

  • البركة في الدين حقاً .. أما الدجل الديني، فقد حلّت عليه اللعنة دائماً.


باسم الدين و"لإنقاذ العالم من الكفر والإلحاد"، هدم هتلر أوروبا وكل مكان وطئته قدمه الهمجية، في حربه لإعادة اقتسام العالم، والتفرد في السيطرة عليه وعلى مقدراته، وإقامة "النظام العالمي الجديد" الخاص به. وتاريخنا الحديث لا تنقصه الأمثلة عن محتلين أجانب، قاموا بلبس العمامة وإعلان إسلامهم، لتثبيت احتلالهم و"تحليل" خدمة القيادات المحلية العميلة لهم. وأشهر هؤلاء كان "كليبر"، قائد الحملة النابليونية على مصر والشرق العربي – الإسلامي في القرن الماضي. إن صورته في كتب التاريخ الذي تعلمناه في المدرسة وهو في العمامة والجبة، راسخة في أذهاننا أبداً. لقد أراد "كليبر" هذا أن يخفي تحت جبّته وعمامته، احتلاله واغتصابه لأرض الكنانة. أما المؤرخون من النمط المنافق المعروف، فقد حاولوا أن يقنعونا أن ذلك كان ربحاً للإسلام والمسلمين !!

وفي طريق هذا الدجل الديني مشى "الأمريكي البشع" جورج بوش في أعقاب أمثاله الذين سبقوه، تماماّ "حذوك النعل بالنعل"، حين راح يستشهد في خطاباته خلال أزمة الخليج، بالإسلام والقرآن الكريم والحديث الشريف. وما زال بدننا يقشعر ونحن نرى، على مدار الساعة وطيلة أيام الحرب، صورة الناطق الرسمي للقوات العسكرية في الخليج الجنرال ريتشارد نيل، يدلي بالبيانات الصحفيّة الرسميّة عن سير المذبحة العدوانية على خلفية علم السعودية المنقوش عليه "لا إله الا الله محمد رسول الله".

  1. ومن هر "كليلة ودمنة" إلى حكاية "الصيّاد والعصافير"

وقد وصل الرئيس بوش إلى قمّة الدجل الديني صبيحة الأحد، بضع ساعات بعد أن أصدر أمره ببدء المذبحة الأرضية، عندما ذهب إلى الكنيسة هو وحاشيته ليصلّي صلاة خاصة، ويسأل البركة لحزبه والسلامة لجنوده.

وعندما رأيناه على شاشة التلفزيون في تلك الحال من "الورع الشديد"، تذكرت حكاية "الهر" في "كليلة ودمنه" الذي كان يتصيّد ضحاياه .. يقفز عليهم ويفترسهم، حتى لم يعودوا يقتربوا منه فقتله الجوع. عندها قرر أن يذهب إلى الحج ويعلن توبته. ليطمئن ضحاياه بأنه ليس لهم بعد ما يخشونه منه، وبعد عودته من الحج بعمامة وسبحه، اكتشف كل من اقترب منه في أول مناسبة أن "قفزاته ما زالت هي هي.. نفس القفزات".

ومن حكاية إلى أخرى .. والحكايا كثيرة:

من حكاية "هر كليلة ودمنة"، إلى حكاية الصياد والعصافير التي تعلمناها في كتب القراءة في الصف الأول، عن الصياد الذي أمسك بعدد من العصافير وراح يذبحها بسكينه. كان النهار شديد البرد لدرجة أسالت الدمع من عينيه. قال عصفور لآخر شيئاً عن الصياد "الرحيم"، فأجابه العصفور الآخر: "لا تنظر إلى دموعه وأنظر إلى ما تصنع يداه".

فهل عَلَم "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، الذي يرفعه الملك فهد عَلماً له ولنظامه ودولته ومثله يفعل حكام آخرون، والذي يحرص "ريتشارد نيل"، الناطق العسكري باسم القوات الأمريكية في الخليج أن يدلي ببياناته عن مذبحة الخليج على خلفيته، وهل عمامة "كليبر" واقتباسات جورج بوش الإسلامية وصلواته المسيحية، هل بإمكان هذا أن يحوّل أنظار شعوبنا عما تصنع أيدي هؤلاء؟؟ هل بإمكانها أن تبرر جرائمهم والكارثة الجديدة التي يصبونها اليوم أيضاً على رؤوس شعوبنا ومنطقتنا الإسلامية بحت؟؟


  1. ومن الملك فاروق إلى الملك فهد إلى "المفتين .. حسب الطلب" ..

هذا عن أصحاب العمامات والسبحات و"الأتقياء الورعين"، باسم كل الأديان من المغتصبين الأجانب، من "كليبر" حتى "جورج بوش".

اما عن أصحاب العمامات والسبحات من الرؤساء العرب حلفاء الرئيس بوش وخاصة "حامي الحرمين الشريفين"، وأتباعهم من المفتين المسلمين، فحدث ولا حرج. إن أشد الرؤساء العرب المسلمين تطرفاً وتظاهراً بالدين، هم بالذات أشدّهم غرقاً في الخيانة واللهو والحرام، وفي مقدّمتهم حكام السعودية والكويت والإمارات الخليجية. إنهم يهدفون بهذا إلى تغطية عوراتهم الصارخة. دساتير دولهم تنصّ على أن دين الدولة هو الإسلام. وفي السعودية يطبقون الشريعة الإسلامية بحذافيرها. أما شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام المختلفة، فإنها تعرضهم في صلوات الجمع وغيرها، وفي حالة من الورع الشديد وهم يؤدون الصلوات لباريهم. وأما خطبهم عن "الجهاد المقدّس"، لتحرير الأرض المقدّسة من "الكفار الملاعين"، فإنهم يديرون بها ألسنتهم وكأن الواحد منهم خالد بن الوليد سيف الله المسلول.

ومع ذلك فهذه كلها أنظمة حرام في حرام. في سلوكها وممارساتها المعادية للدين. وهذا الدجل الديني مرتبط بالخيانة القومية، إذ واصلت هذه الأنظمة طيلة الوقت إلى أن تستعدي العدو الأجنبي على شعوبها، وتقدّم الغطاء الديني لجرائمه، وتضع تحت تصرّفه خيرات شعوبها المسلمة.

ومَن من جيلنا لا يستذكر ملك مصر اللعين فاروق، ملك الخيانة والفسق والفجور، وركيزة بريطانيا العظمى المحتلة الغاصبة للشرق العربي والإسلامي وشمال أفريقيا في حينه، في النصف الثاني من الأربعينات، قام بإطلاق لحيته كجزء من خطة بريطانية لإعلانه خليفة للمسلمين، لاستعماله في "توحيد" العالم العربي والإسلامي تحت حكم التاج البريطاني. وحتى قاموا بإطلاق أسم "الفاروق" عليه تشبها بالفاروق عمر بن الخطاب. كانت بريطانيا بحاجة إلى الدجل الديني لتثبيت مواقعها التي تزعزعت بعد الحرب العالمية الثانية، وبحاجة إلى ذلك للتمهيد لمؤامرتها ضد الشعب الفلسطيني ونكبته سنة 1948 بمنع قيام الدولة الفلسطينية بموجب قرارات نوفمبر 1947. ألم تُسهم الجيوش العربية – الإسلامية نفسها مع القيادة الصهيونية في تحقيق ذلك ؟!!

  1. "ملّة الكفر واحدة" وإن كانت تكفر باسم الدين ..

وهكذا من كليبر إلى بوش .. ومن الملك فاروق إلى الملك فهد .. ومن أمير خليجي إلى آخر ..ومن رئيس إلى رئيس .. فإن "ملّة الكفر واحدة" ..

وهكذا .. من مفتي مصر إلى مفتي السعودية .. إلى المفتين الآخرين الذين تسابقوا، تماماً "حسب الطلب"، إلى الافتاء بعدالة حرب الخليج الهمجية وأهدافها العدوانية، ضد العراق المسلم وشعوبنا ومنطقتنا المسلمة .. فإن "ملّة الكفر واحدة" أيضاً. إن شعوبنا وشعوب شرقنا والعالم الثالث هي شعوب متدنية وهي ترى الدين وتعاليمه، وبحق، مصدر خير ومحبة وخلاص من الظلم على الأرض ومساواة بين أبناء الشعب الواحد .. كل شعب، وبين بني البشر جميعاً.

ولقد جائت حرب الخليج لتؤكد من ضمن ما تؤكد، ضرورة الفرز بين الدين وبين الدّجل الديني الذي بإمكانه أن "يحلل" أشدّ المحرّمات باسم أي دينٍ تشاؤون ..

وجائت لتؤكد من جديد أن القضية هي في الوقفة الوطنية من أجل الحريّة والمستقبل الأفضل والكرامة القوميّة والإنسانية..

وجائت لتؤكد .. أي تأكيد، صدق حكمتنا الشعبية في أن "الدين لله والوطن للجميع".

ونحن نقول هذا الكلام داعين شعوبنا إلى اليقظة والفرز للمستقبل أيضا، لأن هؤلاء الحكام الذين يستعملون سلاح الدجل الديني، سيستخدمونه اليوم أكثر، حتى يغطوا أيضا على عورتهم الخليجية، التي ما مثلها عورة !!

  • إن الصحوة الوطنية – الاجتماعية هي ما يلزمنا اليوم .. أكثر من أي وقت مضى

 
 
 

تعليقات


  • Facebook
  • Instagram
  • Youtube
© توفيق زياد - جمعية للفنون والثقافة
bottom of page