top of page

حرب الخليج.....(4)

الاثنين 18 شباط 1991


7- الحلف الهش ضد العراق واحتمال كسره

قيام هذا الحلف هو امر خطير حقا. وهو، سواء بالمشاركة العسكرية فيه (بريطانيا، فرنسا، إيطاليا)، ام بالمساعدة المالية في تمويله (ألمانيا، اليابان)، ليس فقط ستارا "شرعيا" للعمليات العسكرية، بل ويشكل بطاقة معنوية للتغطية على الجريمة، استعملت لخداع الرأي العام الغربي بشكل خاص.

أما مشاركة عدد من الدول العربية (مصر، سوريا، مراكش) فهي، وان كانت عسكريا لا في العير ولا في النفير، الا انها، معنويا، بالغة الخطورة. لقد وفرت للمعتدي صك غفران.. من نوع "وشهد شاهد من أهله.." وحكام الدول العربية هؤلاء، راهنوا بذلك، حتى على مجرد بقائهم في الحكم مستقبلا.

ان كسر هذا الحلف هو عامل أساسي في هزيمة العدوان: واصحابه يعترفون انه هش قابل للانكسار في كل لحظة. وكلما طالت الحرب زاد هذا الاحتمال.

ومنذ ان بدأت الحرب، بدأت بوادر هذا التصدع تظهر على السطح، طبعا دون ان نبالغ في ذلك:

- فرنسا مصابة بانفصام الشخصية. من ناحية تشارك في القتال، ومن ناحية أخرى تنشط في المبادرات للحل السلمي. والرئيس ميتران اشبه ما يكون ب "الدكتور جيكل والمستر هايد". تصريح ميتران برفض استعمال أسلحة غير تقليدية حتى ولو استعمل العراق ذلك (المقصود الكيماوي). استقالة وزير الدفاع الفرنسي، هي مؤشر على وجود معارضة جدية في الأوساط الحاكمة وليس الشعبية فقط، للموقف الفرنسي المشارك في الحل العسكري. وهذه المعارضة من الممكن أن تؤدي الى تغيير ابعد مدى في الموقف الفرنسي الرسمي.

- الرئيس غورباتشوف أعلن ان حرب الخليج تنحرف عن مسارها كما حددته قرارات مجلس الأمن. وواضح ان معنى هذا الكلام ان الاتحاد السوفييتي يفحص تغيير موقفه بالنسبة لأزمة الخليج.

- في سوريا، التململ الشعبي في ازدياد، وعواطف الناس السوريين مع العراق لا مع موقف النظام السوري. ان عريضة الثمانين (80) كاتبا ومثقفا سوريا الى حافظ الأسد، كان تعبيرا ساطعا عن مزاج الشعب السوري: القوات السورية في الخليج رفضت أوامر "القيادة المشتركة" في معركة "الخفجي" بإطلاق نار مدفعيتها على القوات العراقية.

الرئيس الأسد أعلن ان سوريا ستقف ضد الحرب إذا تجاوزت الأرض الكويتية الى الأرض العراقية.

- المغرب شهد أضخم المظاهرات في تاريخه تأييدا للعراق. والفا (2000) جندي مع اسلحتهم تمردوا وانتقلوا الى الجزائر.

- مصر، التذمر الشعبي واضح ويتسع، والرئيس مبارك لا ينجح حتى في إخفاء عصبيته وقلقه. لقد وصل به الأمر ان يتحدث بكل جدية عن البدعة التي لا يصدقها أحد: عن الصواريخ العراقية في السودان، المعدة لقصف وتدمير السد العالي. والهدف من هذه البدعة المضحكة حتى الإغماء، ليس الا تنفيس غضب الرأي العام المصري حتى لا يتراكم فينفجر.

وأمر آخر يتهدد هذا الحلف: لقد قام على أساس "تحرير" الكويت، ولكن الولايات المتحدة تعلن انها لن تكتفي بذلك، وانما تستهدف القضاء على الرئيس العراقي والنظام العراقي، وهذا لا يمكن تحقيقه الا بغزو العراق واحتلاله. ويقينا ان هذا الحلف سيلفظ أنفاسه مع الشبر الأول الذي تطأه القوات الأمريكية، هذا اذا لم ينكسر قبل ذلك.

هذا، وغني عن الذكر ان دخول إسرائيل الحرب، سيكون فضيحة لن يستطيع هؤلاء ان يتحملوها، او أن يتعايشوا معها. والولايات المتحدة، لهذا السبب بالذات، ترفض إعطاء الضوء الأخضر حتى الآن.

ان كسر هذا الحلف هو على غاية الأهمية. انه يعزل الولايات المتحدة ويضعفها، ويزيد من احتمال وقف الحرب، الذي هو أيضا بمثابة هزيمة نكراء له.


8- الموقف الفلسطيني والانتفاضة، وحرب الخليج

الموقف الفلسطيني، شعبا وقيادة (م.ت.ف)، لا يمكن ان يكون شيئا آخر. انه مع العراق ضد الحرب وأهدافها، ومن أجل هزيمة الولايات المتحدة. هذه هي المصلحة الحيوية العليا، قوميا، للشعوب العربية ومستقبلها. اما فلسطينيا، فهذه الهزيمة ستعطي زخما أقصى للانتفاضة، وتغير توازن القوى جذريا، وتأتي بوضع يمكن من حل القضية الفلسطينية على أساس عادل: حق تقرير المصير والدولة. وهذا الموقف الصحيح يؤكد الارتباط (لينكج) بين حرب الخليج والقضية الفلسطينية والانتفاضة.

ان القلق على الانتفاضة من ان تغطي عليها حرب الخليج هو قلق مشروع، وان كان قابلا للنقاش. وكثير من الناس الصادقين عبروا عن هذا القلق. اما أعداء الانتفاضة فيذهبون ابعد من ذلك قائلين ان "الحق على العراق الذي تسبب بهذه الحرب التي تغطي وتقضي على الانتفاضة". وهم يستعملون المنطق المبسط ليوقعوا في شبكتهم الناس الغيورين.

الولايات المتحدة وأحلافها، وفي مقدمتهم حكومة اسرائيل، يرفضون بإصرار كل ترابط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية. يصرون على الفصل بين القضيتين، وعلى انه، فقط بعد انتهاء حرب الخليج، يمكن العودة الى "معالجة" القضية الفلسطينية التي "يعالجونها" دون حل حوالي نصف قرن.

اننا نرفض هذا الموقف رفضا قاطعا، ونؤكد الترابط بين القضيتين من كل النواحي. صحيح ان حرب الخليج هي التي تحتل، هذه الأيام، مركز الاهتمام، وهذا أمر طبيعي. انها هي الحريق الأكبر الذي يجب اطفاؤه. ولكن هذا لا يلغي الحقيقة الأساسية، التي يعرفها العدو قبل الصديق، في انه لا يمكن القضاء على الانتفاضة وكفاح الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره ودولته المستقلة، لا اليوم ولا في المستقبل. حروب كثيرة وقعت في منطقتنا من قبل، وكلها فشلت في القضاء على هذا الكفاح الذي يجدد شبابه باستمرار.

ومن ناحية أخرى، فان ما يؤكد هذا الترابط، هو إدراك الفلسطينيين ان هزيمة العدوان في الخليج هو هزيمة للاحتلال الإسرائيلي، لأنه سيأتي بشرق أوسط آخر، وبتوازن قوى آخر في المنطقة، يضع أساس الحل العادل. أعداء الشعب الفلسطيني، من رئيس الحكومة الى وزراء وقيادات سياسية أخرى، يأخذون على الفلسطينيين في المناطق المحتلة صعودهم الى سطوح البيوت ليشاهدوا الصواريخ. فلماذا يستغرب هؤلاء هذا الأمر؟ وهل يتوقعون من الفلسطينيين الرقص بالأعلام الأمريكية وأعلام الاحتلال الإسرائيلي؟ ان صعود الفلسطينيين للسطوح، ليس فرحا بالدمار أو بسقوط ضحايا من الناس الآمنين، بل هو تعبير عن سخطهم على الاحتلال وقمعه الدموي وجرائمه الوحشية، وتعبير عن تشبثهم بقضيتهم العادلة. ثم، هل ترك لهم الاحتلال وسيلة أخرى للتعبير؟

من ناحية أخرى، قامت حكومة إسرائيل باتخاذ عدد من الإجراءات، التي تؤكد هذا الارتباط:

1- فرض حظر التجول على كل المناطق المحتلة، وما زال مستمرا، على الرغم من تخفيفه جزئيا وفي بعض الناطق فقط.

2- اقفال الخط الأخضر أمام العمال الفلسطينيين، ومنعهم من الوصول الى مصادر رزقهم.

وهذان الإجراءان – منع التجول واقفال الخط الأخضر – المستمران منذ بدء الحرب، تسببا بخسارة حوالي خمسين (50) مليون دولار أسبوعيا لأهل المناطق المحتلة، وبمجاعة أمر وأقسى، لم يسبق لها مثيل.

3- ضم العنصري الفاشي، رحبعام زئيفي، الى الحكومة، حتى دون أية ضرورة ائتلافية. الدافع الوحيد لهذا الضم واضح: التلويح بسيف الترانسفير واما التوقيت فأشد وضوحا.

4- الإجراءات "الأمنية" التي اتخذوها في الجنوب اللبناني، وعلى رأسها القصف الوحشي المكثف ضد الفلسطينيين الذي استمر، في الأسبوع الماضي عدة أيام.

وهكذا يؤكدون الارتباط (لينكج) في الوقت الذي ينفونه فيه.


(يتبع)

 
 
 

تعليقات


  • Facebook
  • Instagram
  • Youtube
© توفيق زياد - جمعية للفنون والثقافة
bottom of page