حرب الخليج.....(1)
- areej62
- 24 سبتمبر 2021
- 5 دقيقة قراءة
الخميس 14 شباط 1991\
بقلم: توفيق زيّاد
1- الطبيعة العدوانية لحرب الخليج وأهدافها:
الأمر المركزي الذي يحدد موقفنا من حرب الخليج هو طبيعتها وأهدافها، وليس الموقف من هذا التفصيل أو ذاك، مثل احتلال العراق للكويت (الذريعة الرسميّة) أو طبيعة النظام العراقي وشخصية رئيسه، أو القصف الصاروخي لإسرائيل.
ان حرب الخليج بطبيعتها، وأهدافها، هي حرب استعماريّة نموذجية. انها نسخة لا تختلف في جوهرها عن حروب الولايات المتحدة والغرب، ضد شعوب العالم الثالث منذ الحرب العالمية الثانية، وبشكل خاص نسخة جديدة من الحرب الكوريّة (أيضا الولايات المتحدة وحلفائها) في مطلع الخمسينيات التي استهدفت السيطرة على شرق آسيا والتي جرت، أيضا، تحت علم الأمم المتحدة، وباسم الشرعيّة الدولية. الفارق هو في الظروف الجديدة وفي اصطفاف القوى السياسية عالميا، والمقصود في الأساس، هو الموقف المختلف للاتحاد السوفييتي والصين.
وفي حينه أيضا لم تنقص الولايات المتحدة ولا الدول الغربية، الذريعة لشن حروبهم العدوانيّة أو عملياتهم العسكرية لقلب الأنظمة، والسيطرة هنا وهناك.
ولهذا السبب بالذات – طبيعة الحرب وأهدافها – رفضنا القرار المشؤوم 678 الذي أجاز استعمال القوّة ضد العراق، ثم الإنذارات النهائيّة التي وضعها الرئيس الأمريكي دون أن يكلفه بذلك أحد. وعليه، فقد كان واضحا، أسود على أبيض، أن هدف حرب الخليج ليس "تحرير الكويت"، بل ما هو أبعد وأخطر من ذلك بكثير. أما الأهداف الحقيقية فيمكن إجمالها بما يلي:
1- السيطرة على مصادر النفط التي هي الأغنى في العالم، وتثبيت الأنظمة العميلة المهترئة في تلك المنطقة.
2- فرض خارطة سياسيّة جديدة للمنطقة بموجب "النظام العالمي الجديد" الذي صممته الولايات المتحدة والذي يتضح، يوما بعد يوم، أن المقصود به هو فرض هيمنتها التامة على العالم أجمع.
3- القضاء على البنية العسكريّة – الاقتصاديّة للعراق، وإقامة نظام عميل ينخرط في خدمة الولايات المتحدة، ويقدم لها أيضا النفط العراقي على صينية من ذهب، أسوة بالأنظمة الخليجيّة الأخرى. ان تدمير البنية الاقتصاديّة للعراق هو عملية قيد التنفيذ بواسطة القصف المكثف الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا. ومن سخريات القدر، أن نسمع وزير الخارجيّة الأمريكيّة جيمس بيكر، يعلن في شهادته أمام لجنة الكونغرس (07.02.1991) أن "الولايات المتحدة ستقوم بترميم الاقتصاد العراقي بعد الحرب" أوليس هذا اعترافا صريحا بالنوايا المسبقة؟
وهكذا فلا بأس! نحن نتعامل مع دولة "رحيمة" تعدنا أن تقوم غدا بترميم ما تدمره اليوم! ان هذا ليذكرنا بقول الشاعر:
كمُطعمة الأيتام من كدِّ فَرجها فيا ليت لم تزن ولم تتصدّق
4- تصفية القضيّة الفلسطينيّة (والقضايا الوطنية الخرى). بيكر، في شهادته أمام الكونغرس (07.02.1991)، أعلن أن "منظمة التحرير الفلسطينية، أخرجت نفسها من كل المساعي لحل القضيّة الفلسطينيّة بعد الحرب، بسبب موقفها" المؤيّد للعراق.
وللتذكير نقول ان الهدف المعلن للولايات المتحدة من انزال جحافلها العسكريّة، كان حماية السعوديّة من احتلال عراقي، ثم أصبح "تحرير" الكويت، ومن ثم القضاء على النظام العراقي والبنية العسكريّة – الاقتصاديّة.
هكذا هي الأهداف الأساسيّة للحملة الأمريكية – الأطلسية في الخليج. وواضح ان هذه الأهداف الخطيرة لا يمكن أن تتم سلميا. وأن الولايات المتحدة تحتاج الى حرب ضروس لتحقيقها.
وهذه الأهداف الاستراتيجية ليست جديدة. والتحضير لها بدأ قبل احتلال العراق للكويت بزمن طويل. راديو إسرائيل أذاع (29.01.1991) أن "القوات الأمريكية قامت بإخراج "خطة جارور"، جرى إعدادها في البنتاغون، والبيت الأبيض منذ 12 سنة للسيطرة على منطقة الخليج، وهي تعمل وفقا لها". وأن "الولايات المتحدة باشرت بتنفيذ هذه الخطّة منذ أكثر من سنة، حيث بدأت بإعداد البنية التحتية لهذه الحرب".
2- النظام العالمي الجديد
الرئيس جورج بوش لم يترك لنا حتى متعة الشك في ماذا يقصد، عندما فسر لنا بعد الحرب بأيام، أن حرب الخليج هي المؤشر للنظام العالمي الجديد الذي يتكلم عنه.
ان البحث عن نظام عالمي جديد هو نهج استعماري قديم لإعادة اقتسام العالم وثرواته. نفس العجوز الشمطاء بلبوس جديد. هكذا كانت اتفاقيات سايكس – بيكو (الانجلو – فرنسية) بانتهاء الحرب العالمية الأولى لفرض خارطة سياسية – اقتصادية – إقليمية أخرى في الشرق العربي. قبل أيام فقط شاهدنا على شاشة التلفزيون مقاطع من "الدكتاتور" الفيلم الشهير (تشارلي شابلن) عن صعود هتلر للحكم فسمعناه هو أيضا يتحدث عن "النظام العالمي الجديد". نفس الاصطلاح! – وهكذا تتعدد الأسباب والموت واحد!
والولايات المتحدة اعتبرت أن ساعتها الذهبية قد جاءت بالتغييرات الدولية الأخيرة وبالوضع العالمي الجديد، نتيجة لانهيار الأنظمة في أوروبا الشرقية والهزّة الأرضية الواقعة في الاتحاد السوفييتي، التي كسرت قوته من الداخل وفي الخارج، وأدت الى غياب ثقله المعاكس في الساحة العالمية، وغيرت توازن القوى بشكل جوهري لصالح الولايات المتحدة.
وحتى نكون واضحين حتى النهاية فإننا نبارك الانفراج في الوضع الدولي، ونبارك الاتفاقيات حول نزع السلاح غير التقليدي، وتخفيض الأسلحة التقليدية. ولكن في الوقت نفسه يجب أن نلاحظ أن هذا الوضع الجديد لم يأت نتيجة لتوازن إيجابي بين الدولتين العظميين، وانما جاء من موقع ضعف وتراجع بالنسبة للاتحاد السوفييتي. ولذلك يمكن القول ان الوضع أصبح، بمدى معين، أشبه ما يكون بالمثل القائل "خلا الميدان لحميدان". وأنا استعمل هذا المثل ليس لمفهومه الحرفي وانما لتوضيح ما أقصد...
هذا من ناحية...
ومن ناحية ثانية علينا أن نرى أن وضع الانفراج الدولي الجديد لم يغير من عدوانية الولايات المتحدة بل زاد منها. وحرب الخليج هي الأشد فصاحة من كل أولئك الذين بهرتهم "النوايا الحسنة" للولايات المتحدة – وهذا ما يدعو الى أشد اليقظة والحذر اليوم وللمستقبل أيضا.
اننا نريد فعلا نظاما عالميا جديدا مختلفا... نظاما قائما على مواثيق الأمم المتحدة وبمعيار واحد، قائما على عدم التدخل في شؤون الآخرين وتقرير مصيرهم، على توزيع عادل للثروة الإنسانية بين ما يسمى بالشمال (دول الصف الأول الغنية) وبالجنوب (دول الفقر والعالم الثالث) لأن غنى الأولى هو من فقر الثانية، وثرواتها هي نتيجة لنهب الشعوب الفقيرة خلال مئات السنين الماضية. نريد نظاما عالميا يقوم على حل المشاكل بالحوار والثقة لا بقوة السلاح وشريعة الغاب. اننا نرفض قطعا "مبدأ" ان هنالك شعوبا وجدت للعبودية الأبدية ودولا وجدت لاستعباد غيرها.
3- احتلال العراق للكويت والمعايير المزدوجة
عواطف الشعوب العربية وعواطفنا نحن ليست مع حكام الكويت والسعودية وامارات الخليج، ولا مع أنظمتها التي نعتبرها أنظمة عار قومي نطأطئ رؤوسنا خجلا بها قوميا وإنسانيا، ونموذجا للتسلط البدائي وللتبذير والفسق. عن هذه الأنظمة يدافع بوش و "العالم الحر" وكأنها نموذج للحرية والديمقراطية. في السعودية مثلا وصل الاستهتار بالتراث والتاريخ والحضارة القومية الى استبدال اسم البلاد (نجد والحجاز) باسم العائلة.
اننا نريد لأنظمة العار القومي هذه أن تختفي بين عشية وضحاها مع أنها أنظمة عربية – إسلامية "بيراكسلانس"! كلنا نشاهد التلفزيون يوميا متتبعين أنباء الحرب فيثيرنا منظر الناطق العسكري باسم القوات الأمريكية في الخليج وهو يدلي ببياناته وخلفه يرفرف علم السعودية الأخضر المنقوش عليه "لا اله الا الله محمد رسول الله". فهل هنالك إساءة أكبر من هذه للعروبة والإسلام؟ وهل هنالك أسوأ من الذين يبيحون للرئيس بوش وحلفائه وأنظمة العار القومي تجارتهم في سوق النخاسة، بالعروبة والإسلام؟ ان الخيانة لا لون لها ولا وطن ولا دين.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فأنظمة العار القومي هذه هي التي، بمئات ملياراتها المنهوبة من شعوبها، توقف الاقتصاد الأمريكي على قدميه، وتسهم اسهاما جديا في دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية. ان الدائرة التي تبدأ من عواصم تلك الأنظمة هي نفسها التي تمر بواشنطن لتصل، عبرها، الى تل أبيب.
ومع ذلك فان طبيعة أنظمة العار القومي هذه لا تبيح التخلص منها باحتلالها. لذلك عارضنا منذ البداية احتلال العراق للكويت، خصوصا وأنه يتعارض مع الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة. ولكنا رفضنا رفضا قاطعا ودون أن نعد للعشرة، أن تكون الحرب العدوانية المدمرة طريقا لتسوية الأزمة.
ويزيدنا غضبا كون الولايات المتحدة (وحلفائها) يقيسون الأمور بمعايير مزدوجة. الشرعية الدولية بالنسبة لهم، تعمل في اتجاه واحد فقط. باحتلال العراق للكويت أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعد، خلال أيام معدودة كانوا قد استصدروا من مجلس الأمن عددا من القرارات بما في ذلك قرار الحصار الاقتصادي ثم قرار إجازة استعمال القوة. أما قرارات الأمم المتحدة من نوفمبر 1947 وقيام إسرائيل باحتلال نصف المساحة المخصصة للدولة الفلسطينية في حينه، فقد باركوه، واما احتلال 1967 وممارساته القمعية الوحشية، فان مئات قرارات الأمم المتحدة لم تجعلهم يحركون ساكنا لتنفيذها، ضاربين بعرض الحائط بكل الشرعية الدولية.
وبالمقارنة، فان علينا أن نلاحظ الفارق بين الاحتلالين الإسرائيلي والعراقي، وهو أن الشعبين العراقي والكويتي هما من نفس الأمة، وأنه جرى فصل الكويت عن العراق إقليميا (سنة 1926) فصلا مفروضا استعماريا. ولا نقول هذا لتبرير احتلال العراق للكويت، وانما اخلاصا للحقيقة التاريخية، وللتمييز بين احتلالين، لأنه اذا صح مبدأ الشرعية الدولية بالنسبة للاحتلال العراقي، فانه يصح أكثر بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن الاحتلالات الأخرى، الأمريكية والغربية. هنا يجري تغذية الاحتلال ودعمه، وهنالك تشن حرب مدمرة. ان هذه الانتقائية تفضح حقيقة أصحابها وأهدافهم، وتنزع الأخلاقية عن كل الكرز الذي يكرزونه علينا، نحن أبناء الشعوب المتخلفة، عن شرعيتهم هم الدولية التي حولوها الى شريعة غاب والى "محكمة بيضاء".
(يتبع)
تعليقات